تأبى الريصاني إلا أن تختلف عن باقي المدن. فقد بُنيت على أطلال مدينة سجلماسة التاريخية، وهي مهد الدولة العلوية المجيدة. وبها يوجد ضريح مولاي علي الشريف، جد العلويين، وهو مَعلمة بهية تنتصب تخليدا لذكرى أحد كبار الشخصيات في تاريخ المغرب.
بُني الضريح في عهد السلطان محمد بن عبد الله (1747–1790 م)، وخضع للترميم سنة 1997 م عقب التخريب الذي تعرض له من جراء فيضان. وهو يُصنف من بين أجمل المآثر التاريخية التي تزخر بها جهة تافيلالت.
تحفة معمارية فذة
بوابة الضريح شاهقة وبديعة الجمال، يزينها قرمود وفسيفساء زاهية، وهي تنفتح على حديقة غناء وباحة ذات أبواب متعددة من الخشب نُقشت عليها زخارف أخاذة. تنفتح البوابة على القاعة الكبيرة التي تؤوي قبر مولاي علي الشريف، مكان للتأمل، والسكينة والهدوء. ثم بابٌ آخر يؤدي إلى المسجد الذي تهيمن عليه قبة مزخرفة بزخارف بديعة.
يضم الضريح، فضلا عن قبر مولاي علي الشريف، قبورا أخرى منها قبور أبناء مولاي محمد ومولاي اسماعيل. ويحج إليه آلاف الزوار كل سنة، ولا يزال رمزا شامخا شاهدا على أولى الأحداث التي تمخضت عنها المملكة العلوية الشريفة.
مولاي علي الشريف، أو رئيس فيلالي في بداية القرن السابع عشر
لما شعر الشرفاء العلويون بسجلماسة بخطر توسع الزاوية الدلائية، القطب السياسي الديني المتأثر بالشاذلية المستقرة آنذاك بوسط المغرب، سارعوا إلى مبايعة مولاي علي الشريف سنة 1631م. وقد كان ذلك في خضم سياق سياسي على حافة الانهيار بالمغرب على إثر سقوط الدولة السعدية.
مولاي الشريف، رئيس الشرفاء الفيلاليين، هو ابن حفيد مولاي الحسن بن القاسم، الملقب بالداخل، سليل علوي من ينبع بالحجاز بالجزيرة العربية، ويعود نسبه إلى الحسن السبط، ابن فاطمة بنت الرسول محمد (ص) وصهره علي. وكان قد استقر في تافيلالت في الفترة 1266/1277 م في بداية عهد المرينيين وكان ذلك في عهد السلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني، وحلول عدد من قبائل بني معقل العربية.
كان مولاي علي الشريف رجلا قويا ورعا، ولما فطن للرهانات السياسية المتمثلة في التنافس بين الزاوية الدلائية وسط البلاد ودار إيليغ بسوس على تافيلالت المزدهرة، تخلى عن الملك سنة 1636 م لصالح ابنه مولاي امحمد (1636-1664 م) الذي اختار أن يقوم بأمر المُلك من بعد أبيه. توفي مولاي علي الشريف سنة 1659 م، ووورِي جثمانه في زاوية تيغمرت التي تبعد مسافة 200 كلم عن الريصاني، قبل أن يُنقل رُفاثه لاحقا إلى ضريحه الحالي.
أُطلِق اسم مولاي علي الشريف على عدة بنايات عمومية تكريما لصاحبه وتخليدا لذكراه، منها المطار، والمركز الاستشفائي بالراشيدية.
ويخلد اسم هذه الشخصية الفذة كذلك في معلمة علمية وثقافية. إنها جامعة مولاي علي الشريف التي أضحت موعدا ثقافيا سنويا بالريصاني، بل وتُنظم دوراتها أيضا في عدة مدن أخرى بالمملكة.