يقع قصر تِسركات على بعد بضع كيلومترات من مدينة زاكورة، وقد يعود تاريخ تشييده إلى خمسة قرون. وبعد ترميمه سنة 1968، صار القصر متحفا للفنون والتقاليد بوادي درعة ووجهةً تستحق عناء السفر إليها !
لا يزال قصر تسركات الذي يعود بناؤه إلى القرن السادس عشر مأهولا، وهو أحد أكثر القصور جمالا وبهاءً بالجنوب المغربي وأكثرها حفاظا على خصائصه. يقع القصر على ضفة الوادي، ويتميز بلونه الخمري وبإطلالته وهيمنته على البحيرات المزروعة. للقصر مدخل واحد، وكان فيما مضى محروسا ويُغلق كل مساء، وبداخله تتراص البيوت على طول محور رئيسي، والمخازن العمومية، ويضم جناحا مخصصا للضيوف له باب خارجي، وجناح مخصص للنساء، يفتح بابه على داخله.
تتميز أزقته الضيقة المغطاة والمُعتمة في غالب الأحيان، بتهوية حرارية جيدة تلطف درجات الحرارة المرتفعة صيفا. وتتشابه المنازل كلها تقريبا. وستلاحظ، في جميع أرجاء القصر، أن الإضاءة خافتة خشية سطوع ضوء الشمس القوي. ولعلها مثال يجب على المهندسين المعماريين المعاصرين الاحتذاء به عند تصميم الشوارع بالمناطق شبه الصحراوية !
متحف فنون وتقاليد وادي درعة
يقع متحف فنون وتقاليد وادي درعة في قلب قصر تسركات. وهو مصمم على شكل منزل عتيق ويتفرد بعرض نمط حياةالسكان الأمازيغ والطوارق التقليدية الذين يسكنون وادي درعة، ويبرز مختلف مميزات هذه المنطقة شبه الصحراوية.
المتحف عبارة عن مجموعة متوالية من الغرف، كل غرفة مخصصة لموضوع محدد مثل عرض الحلي التقليدية هندسية الشكل وزهرية الزخرفة والتي تلقى إقبالا كبيرا من زوار المتحف. وتعرض غرف أخرى أواني ومعدات كانت تستعمل في الحياة اليومية مثل الأدوات الفلاحية المستعملة في الحقول أو تقنيات الري وصيانة الساقيات.
ثم قاعةٌ أخرى مخصصة للأثواب التقليدية التي كان يرتديها السكان المحليون والتي لا تزال تحافظ على عراقتها وأصالتها. إن اللباس التقليدي بوادي درعة مميز بشكل يجعله متفردا. فالثوب الرجالي يتكون عادة من دراعيّة، نوع من الكندورة، وسروال تقليدي، ورزة (عمامة) من الكتان. وفي فصل الشتاء، عندما تنخفض درجات الحرارة، يصبح البُرنُس، المصنوع من الصوف الكثيف المنسوج بعناية فائقة، اللباس الأساسي بقبّه (غطاء الرأس) المميز. وأما النساء، فكن يلتحفن بإزار أو ملحفة، بالكامل، وهي عبارة عن ثوب طويل مشدود عند الصدر بواسطة بمشبكين فضيين وحزام عند الخصر.
حتى وإن كان يمكنكم زيارة المتحف بمفردكم، إلا أن الاستعانة بدليل سياحي ستجعلكم تغوصون في روح المكان، وسترجعون بذكرى جميلة من هذا المتحف بعد إدراك نمط عيش القبائل التي كانت تعيش بالوادي.
في الطريق إلى المتحف، يكتسي التسكع بين المنازل العتيقة والأزقة الضيقة المغطاة لحماية المارة من قيظ الصيف، متعةً حقيقية تستحق عناءها. ولا يستغرب الزائر إذا شاهد في طريقه الأطفال وهم يلعبون الحجلة (لعبة المربعات على الأرض)، أو مقرفصين أرضا يلعبون بالأحجار أو بالبلي أو لاستيك، أو يقفزون على الحبل، أو يتلاقفون الكرة بين الظل والشمس؛ مشاهد قد تحرك الحنين في قلب أكثر من واحد !