يقع القصر القديم تامنوكالت أو تامنوغالت على نهر درعة، ويتميز بهندسته المعمارية التي تعود إلى القرن السادس عشر. وهو قرية مُحصنة حافلة بالتاريخ والحكايات !
كان قصر تامنوغالت معقل قبيلة مزكيطة، وهو أحد أقدم القصور المنتشرة بوادي درعة المحافظة على حالتها الأصلية حتى يومنا هذا. ويعود تاريخ تأسيسه إلى أكثر من ثلاثة قرون على يد عائلة قايد المخزن، وكان يحتل موقعا استراتيجيا.
كان قصر تامنوغالت يضطلع في تلك الفترة، التي احتدم فيها التنافس بين القبائل الأمازيغية، بوظيفتين أساسيتين؛ الأولى دفاعية حيث كان يحمي حمى وادي درعة من هجمات الجماعات المعادية، والثانية تجارية بفضل موقعه على طريق القوافل المتجهة من مراكش إلى تمبوكتو.
كان القائد السي علي، آخر سليل العائلة مواليا للسلطان سيدي محمد بن يوسف ووفيا له، ولم يكن يأمن الباشا التهامي الكلاوي بسبب تواطئه مع الحماية. وانتقاما منه، نجح الكلاوي في إزاحته من منصبه في سنوات الأربعينيات. ثم مات مباشرة بعد الاستقلال. ثم سرعان ما بدأ قصر تامنوغالت يفقد مكانته الاستراتيجية شيئا فشيئا ويعاني من فترات الجفاف الطويلة والمتكررة، في حين سارع سكانه اليهود بالهجرة إلى إسرائيل.
وجهة فاتنة ومُلهِمة
قصر تامنوغالت هو كنز من كنوز وادي درعة التي تصنع منه لوحة بانورامية بديعة تحبس الأنفاس. فهو هنا شامخ منذ قرون يطل على الواحة بكل أبهته. وإذا اجتزت عتبة بوابته العملاقة، دخلت متاهة رائعة من الأروقة والأزقة شبه المغطاة.
تعلو عددا كبيرا من مباني القصر أبراجٌ تتفرد كل منها بزخارف خاصة. وتضم هذه المعلمة التاريخية، فضلا عن بيوت القُيّاد الفخمة، وليا صالحا (سيدي عبد الله بن علي)، ومدرسة قرآنية، وجامعين، وحماما، وكنيسة يهودية، والملاّح القديم. ولها أربعة أبواب كانت تُغلق فيما مضى.
المنازل كلها متصلة فيما بينها بممرات مغطاة تحفظ طراوتها وتحميها من قيظ الصيف. وتؤدي هذه الأزقة الضيقة إلى باحات صغيرة كانت في الماضي مسرحا للاحتفالات والأعراس واجتماعات سكان القصر ومختلف المناسبات.
تتكون أغلب المنازل العائلية من طابقين، وتتوسط غرف الطابق الأرضي باحة، وعند اشتداد الحرارة صيفا، يؤوي سكان المنزل إلى الطابق العلوي الذي يتميز بتهوية أكبر؛ غير أن سطح المنزل يبقى مكانا مميزا يدعو إلى الاسترخاء والتأمل قبالة منظر وادي درعة الممتد على مرمى البصر في منظر يسلب الألباب !
وأخيرا، حُوِّلت إحدى قصبات هذا المُجمع المعماري إلى متحف يضم بين جنباته أروقة لعرض قطع وأدوات كانت تُستعمل في الحياة اليومية. ومن ضمنها على الخصوص، مكعب كان يُستعمل لتشكيل الآجر أو الترابيس الخشبية. وفي نهاية الزيارة، لابد من جولة بين النخيل لاكتشاف الزراعات الخاصة بالواحات من تمور ورمان وحناء… وبعض الآبار.
وفي كل عام، في الأسبوع الأول من أكتوبر، يُقام « موسم اللامة »، وهو تظاهرة ثقافية ودينية يلتقي فيها جميع سكان القرى المجاورة. وهذا ليس غريبا، فتسمية « تامنوغالت » تعني أصلا « نقطة الالتقاء » بالأمازيغية.
الكثيرون لا يميزون بين قصبة القايد وقصبة تامنوغالت، الواقعة يمينا على الطريق الرابطة بين التجمعات الصغيرة.